في رحاب آيـة
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
في هذه الآية تذكير للرسول صلى الله عليه وسلم بخبر المكر به من قادة الجاهلية والشرك، وسياق الخبر يوحي للنبي والدعاة من بعده بالثقة واليقين في المستقبل، كما ينبه إلى قدر الله وحكمته فيما يقضي به ويأمر. لقد اجتمع قادة الجاهلية يمكرون للتخلص من الرأس المدبر لهذه الدعوة وقدمت الاقتراحات: إما أن يوثقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبسوه حتى يموت، وإما أن يقتلوه ويتخلصوا منه، وإما أن يخرجوه من مكة منفيا مطرودا...ولقد تشاوروا في هذا كله واختاروا قتله، على أن يتولى ذلك المنكَر فتيةٌ من القبائل جميعا ليتفرق دمه، ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب كلهم فيرضوا بالدية وينتهي الأمر. وبدءوا في تنفيذ الخطة ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤوسهم ترابا ونهض. فلما أصبحوا خرج عليهم علي فأخبرهم أن ليس في الدار أحد، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا من هذا المكر بأمر الله وحده وتدبيره ومكره لدعوته ودينه. ثم يرسم القرآن صورة عميقة التأثير...ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش وهم يتآمرون ويدبرون ويمكرون، والله من ورائهم محيط يمكر بهم ويبطل كيدهم وهم لا يشعرون. إنها صورة ساخرة وهي في الوقت ذاته صورة مفزعة...فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القدرة القادرة!! قدرة الله الجبار...القاهر فوق عباده...الغالب على أمره وهو بكل شئ محيط!!..فهل يبقى بعد هذا في قلب المؤمن أدنى خشية أو مهابة أو وجل لغير هذا الإله القادر؟!.