إقتنيت عام 1993 المجموعة الشعرية للشاعرة و الكاتبة النيكاراغوانية السيدة جيوكوندا بلي باللغتين الأسبانية و الألمانية و بعنوان : " في لون صباح القصائد " الذي جلب انتباهي . بدأت بقراءة قصائدها الواحدة بعد الأخرى بشوق . ثم بدأت بشراء و قراءة كل كتاب يصدر عنها باللغة الألمانية . وفي شهر مايس عام 1996 قرأنا في الصحف الألمانية خبرا عن قيام الشاعرة جيوكوندا بلي لإحياء أمسية شعرية لها بجامعة هايدلبرغ في مساء 18 / 5 / 1996 . وكانت زوجتي مهتمة أيضا بشعر و مؤلفات جيوكوندا بلي ، لذا قررنا ، زوجتي و أنا ، أن نسافر إلى مدينة هايدلبرغ للإستماع إلى شعر و رواية جيوكوندا بلي . ومن حسن الصدف كانت فرقة نيكاراغوانية و ألمانية قد أعدت برنامجا رائعا لتلك الأمسية . حضرت السيدة جيوكوندا بلي قاعة الإحتفالات في الوقت المحدد و مع مترجمة ألمانية . وبعد تقديم مواد الإحتفال بدأت جيوكوندا بلي بإلقاء قصائدها الرائعة ثم مختارات من روايتيها : " المرأة المسكونة " و " فسلالا " . وفي فترة الإستراحة ذهبنا إلى الشاعرة و الكاتبة و أهديت لها مجموعة قصائد الدكتورة سعاد الصباح " لألئ الخليج " التي تشرفت بترجمتها إلى الألمانية و طلبت من السيدة جيوكوندا بلي أن تذيل كتابها " " في لون صباح القصائد " بتوقيعها ، ففعلت مشكورة ، و أنا أعتز بهذا الكتاب . كما قامت الشاعرة بتقديم الشكر لي على تعريفها بشاعرات العر ب . يجد القارئ الكريم بعض القصائد عن الحرب و مآسيها الأرقام ( 2 ) و ( 11 ) و ( 12 ) ، فإن هذه القصائد ذكرتني بقصيدة السيدة الفاضلة الدكتورة سعاد الصباح بعنوان : " القصيدة السوداء " التي أعجب بها القراء و المستمعون الألمان المنشورة في كتابها المذكور أعلاه صفحة 60 - 79.، وللإطلاع و الفائدة أذكرها أدناه :
يـاسـيِّـدي : لـكَـمْ أنـا أشْـعُـرُ بالإِحْـبـاطِ ، والـدُّوارِ . . والإِعْـيـاءْ . . فـلا تُـؤاخـذنـي عـلـى كـآبـتـي إِذا قـرأتَ هـذه الـقـصـيـدةَ الـسَّـوْداءْ . . . حاولت بكل تواضع ترجمة نصوص قصائد جيوكوندا بلي من الألمانية إلى العربية محافظا قدر الإمكان على فحواها و بكل أمانة ، راجيا أن تنال من لدن الإخوات و الإخوة حسن الرضا و القبول ، و الله ولي التوفيق . مع أطيب تمنياتي
د . عدنان جواد الطعمة ألمانيا في 3 / 7 / 2006
نبذة مختصرة عن حياة الشاعرة :
- ولدت الشاعرة السيدة جيوكوندا بلي عام 1948 في مناغوا عاصمة نيكاراغوا من عائلة كاثوليكية . - درست جيوكوندا بلي في عدة مدارس في نيكاراغوا و أسبانيا ، وأكملت دراستها الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1967 في موضوع علوم الإتصالات . - تزوجت و عمرها 18 سنة . عملت في مكتب للإعلانات و الدعاية خلافا لرأي .زوجها . ثم انتمت إلى المقاومة المسلحة FSLN ضد الديكتاتور سوموزا لمدة خمس سنوات دون علم زوجها أيضا . وقد أثارت قصائدها الغزلية العلنية سخط الكنيسة الكاثوليكية و سببت قطع صلاتها بعائلتها وكان عمرها في حينه 22 سنة . وقد لمع إسمها لدى جيل النسوة في جنوب أمريكا ككاتبة مدافعة عن حقوق المرأة و دمجها في المجتمع مع أخيها الرجل عندما صدرت مجموعتها الشعرية عام 1974 بعنوان : " على الحشائش " وصفت فيها جسم و أنوثة المرأة و مشاعرها . - و في هذا العام 1974 فرت هاربة إلى المكسيك و من ثم إلى كوستاريكا . - وفي عام 1978 و بعد صدور مجموعتها الشعرية : " خط النار " حازت على جائزة كاسا ده لاس أمريكاس ، الكوبية . - و بعد سقوط الديكتاتور سوموزا من خلال المقاومة المسلحة FSLN عام 1978 عادت جيوكوندا بلي إلى نيكاراغوا . - صدرت لها مجموعة شعرية أخرى عام 1982 بعنوان : " رعد و قوس قزح " وصفت فيها أحداث زمن الديكتاتور سوموزا قبل سقوطه . - عينت جيوكوندا بلي مسؤولة عن خدمات الإعلام للمقاومة الوطنية FSLN و مسؤولة عن قسم الدعاية في وزارة الداخلية . - وفي عام 1979 مديرة للتلفزيون . - و بعد نشوب الحرب الأهلية سحبت نفسها من السياسة و كرست جهودها للكتابة . - صدرت روايتها الشهيرة عام 1988 بالألمانية بعنوان : " المرأة المسكونة " حازت إعجاب جميع القراء و القارئات و أصبحت من خلالها من أشهر كاتبات أمريكا اللاتينية . - صدر لها الكتاب السياسي لعام 1989 . - و صدرت لها الرواية الثانية بالألمانية عام 1990 بعنوان : " بنت البركان "
- ثم قصائد غزلية بالألمانية و الأسبانية عام 1992 بعنوان : " سحر ضد البرودة "
- و مجموعة قصائد غزلية بالألمانية عام 1993 ، بعنوان : "عندما تريد أن تحبني " - و في عام 1994 صدرت لها قصة للأطفال بالألمانية بعنوان : " ورشة الفراشات " - و في عام 1996 صدرت لها رواية بالألمانية بعنوان : " فسلالا "
- صدرت لها مجموعة قصائد بالألمانية و الأسبانية عام 1992 بعنوان : " في لون صباح القصائد "
- صدرت لها مجموعة قصائد غزلية عام 1997 بالألمانية و الأسبانية بعنوان : " ألعاب نارية في مينائي "
- ترجمة سيرة حياتها لنفسها بالألمانية 2002 بعنوان : " الدفاع عن الحظ " لدينا الطبعة الرابعة 2003 - صدرت لها الرواية الأخيرة بالألمانية عام 2005 بعنوان : " مخطوط الإغراء "
( 1 ) قواعد للرجال الذين يرغبون أن يحبونني
1 - من أجل أن يحبني الرجل ، عليه أن يزيح الستار عن جلدي و يعلم أن في داخلي يعشعش طير السنونو الحنون .
2 - من أجل أن يحبني الرجل ، لا أسمح له أن يمتلكني كسلعة إذا رغب ولا يقدمني كرأس صيد محنط ، بل عليه أن يقف بجانبي بنفس الحب الذي أبادله .
3 - من أجل أن يحبني الرجل ، يجب أن يكون حبه لي قويا مثل أشجار الباقوق هكذا مدافعا و متأكدا و واضحا مثل صباح شهر ديسمبر .
4 - من أجل أن يحبني الرجل ، علية ألا يشك بابتساماتي و ضحكاتي و لا يخشى شعري الكثيف ، و عليه أن يحترم حزني و صمتي وأن يلعب بملاطفتي على جسمي مثل عزف الألحان على القيتار و أن يجذب البهجة من أعماق جسمي.
5 - من أجل أن يحبني الرجل ، عليه أن يرى فيّ الفراش الوثير لحمل أحزانه و صديقة تستطيع أن تقاسمه أسراره و بحرا يمارس فيه دون خوف بأن مرساة من الواجبات ستعيقه من الطيران ، عندما يرغب أن يكون طائرا .
6 - من أجل أن يحبني الرجل ، عليه أن يصنع الشعر من حياته و يشكله و يصقله كل يوم من جديد مع النظرة إلى المستقبل .
7 - من أجل أن يحبني الرجل ، عليه أن يحب شعبي قبل كل شيئ ، ليس كمفهوم مجرد مسحوب من أكمامه ، بل أنه شيئ حقيقي ملموس يصنع له الشرف من أفعاله و يضحي بحياته من أجله إذا لزم الأمر .
8 - من أجل أن يحبني الرجل ، عليه أن يتعرف على وجهي في الخنادق و يحبني مع البندقية الجاهزة عندما نصوبها سوية إلى عدونا المشترك .
9 - ان حب زوجي لا يهاب من أن يسلم نفسه ولا يخاف ميدانا فيه حركة دائبة من أن يكشف نفسه في سحر الغرام و يستطيع أن ينادي بأعلى صوته اني أحبك أو أن يلصق الملصقات على جدران البيوت التي تعلن عن حقه للتمتع بأروع المشاعر الإنسانية .
10 – ان حب زوجي لا يهرب من بخار المطبخ ولا من قماط ( لفات ) الأطفال ، إنه الحب النقي مثل الرياح المنعشة التي في الغيوم من الحلم و الزمن ، تعصف بالعقبات التي فصلتنا عن بعضنا منذ مئات السنين كمخلوقين مختلفين .
11 – ان حب زوجي لا يرغب أن يحددني و ينظمني بل يعطيني الهواء و الغذاء و المجال الرحب لكي أنمو و أصبح غنية مثل كل يوم جديد ، ثورة تنطلق .
( 2 )
نشـيد الحرب
الحرب قادمة ، يا حبيبي ، إلا أن النشيد لا يتوقف أثناء القتال ، يولد الشعر من تجويف البندقية المعتم ( المظلم )
* * *
الحرب قادمة ، يا حبيبي ، ونحن نفقد أنفسنا في الخنادق ، ونفصّـل المستقبل في منحدرات جبال بلدنا و بالنار و الشجاعة نصد الجيش البربري و نستعيد الذي سلبوه منا ، ما يخصنا وما نحب .
* * *
الحرب قادمة ، يا حبيبي ، وألِفُّ نفسي بظلك الذي لا يقهر ، وأدافع كلبوة عن بلاد أطفالي ، لأن لا أحد يستطيع أن يوقف انتصارنا ونحن مع المستقبل مدججون بالسلاح حتى الأسنان ، وحتى عندما لا نرى بعضنا الآخر و عندما تموت الذاكرة ، أقسم بحياتك أمامك ، أقسم يا نيكاراغوا ، أضعك على صدري مثل الطفل ، بأن الأعداء لا يستطيعون أن يشقوا طريقهم ، يا حبيبي ، فإننا سننتصر عليهم .
( 3 )
رجاء
ألبسني بالحب لأني عارية واني مدينة خالية غير مسكونة مفزوعة من الضجيج صماء من الزغاريد . ورقة يابسة في آذار .
* * *
غلفني ( لفني ) بالفرح لأني لم أولد لكي أكون حزينة ، وأن الحزن بعيد جدا عني كبدلة غريبة أريد أن أحترق مرة أخرى ، لكي أنسى الطعم المالح للدموع والثقوب في الزنابق و الحمامة الميتتة على البالكون
* * *
مرة أخرى هدهدني ( أرجحني ) في الريح العاصفة والموجة الفوارة بحر فوق صخور طفولتي نجوم في اليدين ومصباح مبتسم على الطريق إلى المرآة التي أنظر نفسي فيها كجسد سالم محمي ، آخذ باليد من الضوء ، من المرج الأخضر و البراكين و الشعر مملوء بالعصافير . والفراشات تنبت من أصابعي و الهواء يعشعش في الأسنان و يعود إلى نظام الكون مسكون من رأس و صدر إنسان بجسم فرس ألبسني بالحب لأني عارية .
( 4 )
و صنع الله مني امرأة
وصنع الله مني امرأة بشعر طويل وعينين ، و أنف و فم امرأة مع هضبة مستديرة وتجاعيد وأحواض لينة وجوّفني داخليا وحوّلني إلى ورشة لصناعة الإنسان وضفر ( شبك ) أعصابي الناعمة و وزن هورموناتي بعناية فائقة و خلط دمي وصبّه فيّ لكي يسقي به جسمي كله وهكذا نشأت الأفكار والأحلام والغرائز . كل ذلك خلقه بحذر واحتراس بصدمات تنفسه وحبه الثاقب الف و إحدى حاجة تصنعني يوميا كامرأة والتي أفتخر بها عندما أنهض صباح كل يوم وأبارك جنسي البشري .
( 5 )
أعطيها صدري
يجب عليّ أن أرفعها بحذر و احتراس وهي كالماء في يدي أحمله دون أن ينسكب . واجلس على الكرسي الهزاز واهدهدها ( أهزها ) يمنة و يسرى وعندما تبدأ بالصراخ أرضعها ( أعطيها حليبها ) كبقرة مسالمة هادئة وهي لي وملتصقة بي وهي تحتاجني كما كانت سابقا ، عندما تعرفت عليها بمفردي وهي كانت تسكن في بطني ( رحمي ) .
( 6 )
بلا كلمات
إخترعت شجرة ، شجرة كبيرة أكبر من رجل وأكبر من بيت وأكبر من الأمل الأخير
* * * أعواما طوالا ، سكنت تحت ظلها وانتظرت لسماع كلمة وغنيت لها أغنيات واحتضنتها وكشطت ( خربشت ، وخدشت ) قشرتها الخشنة . و ضحكي جلب أزهارا (نوارات ) من أغصانها وكل حركة من حركاتي جذبت ( إستدرجت ) أوراقا جديدة و ثمارا وهي كانت لي ، كما لم يكن لي شيئا سابقا إلا أنها لم تتحدث معي أصغيت إلى حفيفها واستمعت إلى خشخشة فراشاتها و طقطقات و فرقعات الغابة الموحشة وتخيلت صوتها كأغنية حلوة لكنها لم تتكلم معي .
* * * بكيت طوال الليالي تحت أقدامها و قرفصت ( قعدت ) على جذورها و شعرت ( أحسست ) بذراعيها ورأيتها عالية شامخة فوقي و علمت بأنها فكرت فيّ إلا أنها لم تتحدث معي تعلمت الغناء مثل الطيور و الإشعاع كالدودة المشعة والصهيل كالفرس و من وقت لآخر تغلب عليّ الغضب ، لدرجة أن كل أوراق الشجرة سقطت و وقفت الشجرة عارية خجولة أمام الأشجار الكثيفة الأوراق وتمنيت أنها تتعلم في كلتي الحالتين الجيدة و السيئة ، مثل بعض الرجال إلا أنها لم تتكلم معي .
* * *
تعلمت عدة لغات من أجلها و خلعت ملابسي و فعلت أشياءا كثيرة لدرجة أني نسيت إسمي ومن أين جئت و أصبحت لم أعرف عما إذا كنت حيوانة أم إنسانة و صماء دائمة الخضرة - مملوءة بالأمل – بقيت معلقة ( مدلاة ) على أغصانها .
( 7 )
لا أحد يختار
لا يختار المرء البلاد التي يولد فيها و لكنه يحب البلد الذي يولد فيه لا يختار المرء الوقت الذي يدخل فيه إلى العالم ولكنه يجب أن يترك في زمانه بصمات و آثارا
لا يحق لأحد أن يسحب منه مسؤوليته ولا يستطيع أحد أن يغلق عينيه وأذنيه و يخرسه و يقطع يديه !
إنه من الواجب أن يُحب من الجميع وأن يعيش حياة مرضية و أن يصل إلى هدفه .
نحن لا نختار التاريخ و الوقت الذي نطأ فيه العالم و لكن باستطاعتنا أن نشكل و نبني هذا العالم الذي تنمو فيه البذور التي نحملها فينا .
( 8 )
كنت بنتا مرحة ذات مرة سابقا
كانت المدينة بأكملها ملكا لي بضحكاتي وسابقا كنت مرة شاعرة نظمت قصيدة جديدة مثلما يصطحب المرء طفلا ليريه شيئا يفرح به وكنت سابقا أما لبنتين لطيفتين وشعرت بحظي اليقين وقدمت جبيني للريح و الأشياء .
• * *
أما الآن فأنا سيدة ، لا تعرف البلاد و أين تسكن بلا حب ، بلا ضحك ، بلا نيكاراغوا شاعرة تكتب في الخفاء، في مكاتب جادة ، وفي دار الضيافة ، بنت ، التي تبكي تحت مظلة المطر ، عندما تعضها الذكريات أم ، التي تحن إلى بنتيها المرحتين والآن أنا أنشودة المطر الحزينة ، أنا لم أكن كائنة و موجودة هنا .
• * *
راقبت سعفة النخلة المنحنية وكيف تيار الهواء يحركها هنا و هناك . أنتظر الكلمة التي تنقذني من التصنع ، والشعار الذي البسني الغيوم و القوس قزح ، والذي يأخذ السماعة من يدي ، عندما أجهد نفسي بصياغة التعبير ، الذي يحررني من جدران المكتب الجاد ، الذي أشعر فيه كحمامة في القفص، والتي تعمل ما تريد أن تفعل ، في حين توجد في الخارج أوراد و عضب وعرق و أيادي أمينة تضغط على زناد المسدس .
( 9 )
وردة الأوركيديا من حديد
أحبك في هذه الحرب ، التي تحكنا وتزيدنا علما . أحبك ، دون التفكير بأن الزمن ينصرم، حول قبلاتنا سيأتي الوداع . أحبك في حربنا الخاصة بساقين و ذراعين أحبك مع الخوف في عنقي . أحبك دون معرفة يوم الوداع أو يوم اللقاء ، لأن الشمس تطلع اليوم بين جسمينا الملتحمين ، وضحكاتنا كانت نعسانة عند الصباح .
أحبك ، لأني سمعت صوتك ، وأنتظر الآن لأراك، كما كنت تظهر من الليل . أحبك في هذا المجهول الكلي ، واشعر أن حبنا هدية ، واستراحة في مثل المآسي الكثيرة تحت مطر الرصاص ، لحظة واحدة أضيفت في القتال، لكي لا ننسى ، كيف أن البشرة بحاجة ماسة إلى الحنان ، عندما نحب بعضنا ، يا حبيبي ، ونحن مطوقان ( محبوسان ) في بلد مثلث .
( 10 )
حُبّي
حبي هو نهر فيه ماء كثير يصب في حبيبي . حبي يعزف على العود و الطبلة في جبال بلادي، ويطلق القبلات مع البنادق الرشاشة ، حبي هو الحب في الحرب ، مع السلامة و إلى اللقاء ، حب مع إشارات الدخان من البعد ، حب مغلف في حقيبة الظهر ، خفي عند الذهاب إلى المدن و الوديان . حب هو حب ليغني الإنتصارات ، ويضمد الجراحات ، و يتعلم من النكسات . وحبي قانع ، على الرغم من أنه يقودني أحيانا إلى البكاء ، حبي كبير كالأمل و كشجاعة شعبي . لحبي رائحة فناء ( فسحة ) البيت ، أشم فيه رائحة التربة الرطبة و الحقل . حبي متوحش هائج ، متلهف للحرية ، لا يعرف الزمن ، حبي يحرقني من الداخل ، طلق من كل قيد و عنيد . وقد ملأني بالضوء ، وأنا أحمله كالبندقية على كتفي ، أبكي و أضحك من أجله ، من أجل هذا الحب الرائع النقي ، مثل عينيه ( عيني حبيبي ) .
( 11 )
مشاكل مؤقتة
ربما فكرنا نحن بأننا الآن لم نصبح وحدنا . الحلم بالجنة أمر سهل ، و لكن بناؤها يختلف - وأيضا ليس بذاك الجمال –
نحن نجلس الآن ونعد ( نحسب ) ليالينا الموحشة الوحيدة ، لا أحد منا يتلقى الأشواق و الحنان ، قبلات نحلم بها فقط ، فمن حقنا التمتع بهذا الحب الجماعي ، وأن نلامس بشرتنا ، بلا اتصال أجسامنا ، قضية ، نعانيها نحن بصمت . تمنحنا وقتا للتفكير بهذه المعارك الجديدة ، التي لم نتوقعها ، وهذه الثورة الداخلية ( الباطنية ) ضد الأوراد الخالية اليابسة الخالية من الحب وتأسيس ليس فقط علاقات إنتاجية جديدة فحسب ، بل و أيضا إنشاء علاقات حب جديدة . وحول هذا الموضوع لم يكتب أحد ابدا . يبحث الإنسان طريقه لوحده ، و يخطأ و يبدأ بالبحث من جديد . أحب رجلا . وأعرف أنه يحبني . غير أن الوحدة الكبيرة و المسافات البعيدة ، التي لم تصل يداي، فإنها تفصلنا ، وهكذا أعيش باستمرار ، أعيش هذه الأيام التي لا تتكرر، هذا الزمن بعناية ، والذي يقودني إلى مكان ، ومنه لا يعود أحد ، وأجمع ما تبقى لي ، كومة من الأشياء التي أريد أن أقولها لحبيبي ، الضحك ، الذي أريده أن يضحك ، و أمسك غيمة تغطيه، و أبخرة بركانية في صهير لحمي وأكره الوحدة مثل آدم ، عندما حن لوحده في جنة الأرض .
( 12 )
وداع في أوقات الحرب
أنت الذي ملأت جسدي بالفرح . وأنت ابتدعت لي كل يوم قصيدة . و أنت ضفرت لي فراشات في شَعري . وأنت طبعت نفسك في جلدي - جرح مؤلم للحب سيزول بسرعة – وأنا الآن أفكر فيك بعينين غارقتين بالدموع ، و أوردتي تسيل وتفيض ، و دمي يبحث عنك .
* * *
أنت تبقى عندي ، حبيبي ، أخي ، رفيقي . عندي لتدفئ وحدتي و الأيام القاسية للحرب . أنت مغروس في عظامي كالرصاصة ، التي تعرف الطريق إلى داخلي .
* * *
أحملك في بدلاتي، وفي بنطلون عملي ، وفي سترتي الزرقاء، وفي حقيبة الظهر . أحملك كالتعويذة و الحرز ، مثل الحجر السحري ضد نظرات الحاسدين . أمسكك ( أحبسك ) مثل دمعاتي الغير باكية ، والآن ، لا يوجد وقت ولا مجال للبكاء .