إن الإنسان لا يخلو في هذه الحياة من المتاعب والأحزان وتقلُّب الأطوار وتعاقب الأدوار فكما نرى في الطبيعة اختلاف الليل والنهار وتعاقب الفصول خلال العام من ربيع وصيف وخريف وشتاء كذلك نرى النفوس يتعاقب عليها القبض والبسط والعسر واليسر فيتقلَّب المرء بين السرور والأحزان وقد يدور عليها الخير والشر والبأساء والنعماء فيظهر عليه الابتهاج أو الاكتئاب فالسرور والحزن يظهران على وجه الإنسان ليعبرا عما في نفسه من جلال أو جمال وقبض أو بسط وأسباب القبض كثيرة منها : كثرة الحجب المتراكمة على النفس لذنب وقع وهذا يزول بالتوبة والاستغفار وقد يكون القبض بسبب أمل ضاع أوأمنيَّة لم يستطع المرء تحقيقها وعلاج ذلك بالتسليم لأمر الله والرضا عما قضاه وتفويض الأمر كله لله وربما يكون سبب القبض ظلمٌ وقع على المرء نفسه أو ماله أوأهله وعلاجه بالصبر وسعة الصدر وصدق الالتجاء إلى حضرة الله وتفويضه سبحانه في ردِّ الظلم ودفع المكروه وهناك قبضٌ لا يعرف له سبب وهذا يزول بالكفِّ عن الأقوال والأفعال مع ملازمة الصمت والسكون انتظاراً لفرج الله فإن بعد القبض بسطا وإنَّ مع العسر يسرا .
ومع العسر إن تدبرت يسرٌ \ ومع الرضا كلُ شئٍ يهـون
فنهاية الشدة هي بداية الفرج وربما أفادك ليل القبض ما لم تستنفذه في إشراق نهار البسط فقد ينكشف ليل القبض بظهور نجم يهديك أو قمر يضئ لك الطريق أو شمس تبصر بها سبيل الخلاص .
اشــتدِّي أزمـة تنفرجي \ قد أذن ليــلك بالبلج
وظــــــلام الليل له سرج \ حتى يغشاه أبو السرج
وسحــاب الخير له مطر \ فإذا جـــاء الأبان تجى
وأما أسباب البسط فكثيرة جداً منها التوفيق في طاعة الله أو زيادة من الدنيا أو إقبال الناس عليك أو إطراؤهم لك ومدحهم إياك وهذا كله يقتضي منك أن تشكر الله على نعمه وتوفيقه وألا يؤدي إقبال الدنيا عليك إلى الغرور والبطر والتعالي والزهو ولا يغرُّك ثناء الناس ومدحهم لك بالصلاح وأنت خالٍ منه أو يفتنك ذكرهم لك بما لا تستحق أو يخدعك حسن ظنِّهم بك عن يقينك بما في نفسك واحذر أن يظهر الله للناس ذرَّة مما بطن فيك من العيوب فيمقتك أقرب الناس إليك ولا تصغ إلى من يمدحونك من المنافقين لحاجة في نفوسهم فإذا قضيت حاجاتهم انتهى مديحهم لك وإذا لم تقض سخروا منك واغتابوك فقابل المدح كمادح نفسه وذمُّ الرجل نفسه هو مدح لها وهناك بسطٌ بسبب الإشراقات القلبية والمكاشفات الروحانية والمؤانسات القدسية فعلى من يختصُّه الله به أن يسير فيه في حدود الأدب مع الله فقد قال أحد العارفين { فتح لي باب البسط فانبسطتُ فحُجِبْتُ}والله يقول{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}وربما يتبادر إلى الذهن سؤال وهو لماذا يبتلى الله أحبابه فقد ابتلى آدم بإبليس وإبراهيم بالنمروذ وموسى بفرعون ونبينا محمد بأبي جهل وقد قال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}والسرُّ في ذلك أن البلاء يخلِّص القلب كليَّة لله لأن المرء عند الشدائد والأزمات يتوجه بالكليَّة إلى الله تعالى مستغفراً ومتضرعاً بالدعاء ليمنحه الرضا بقضائه ويلهمه الشكر على نعمائه ومن هنا نرى أن الله تعالى يبتلي بعض أوليائه في بدايتهم ثم يكون النصر لهم في نهايتهم ليرفع الابتلاء أقدارهم ويكمل بالنعماء أنوارهم فالإنسان لا يتطهَّر إلا بتقلبه بين الخير والشر والعسر واليسر وانظر معي إلى سليمان الذي أعطى فشكر وإلى أيوب الذي ابتلى فصبر وإلى يوسف الذي قدر فغفر فإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فإذا صبر قربه واجتباه وإذا رضى اصطفاه وأعطاه فوق ما يتمناه هذا إلى أن البلاء يحقِّق العبد بأوصاف العبودية من الذل والإنكسار والشعور بالحاجة والاضطرار وهذا ما يؤهله للقرب من حضرة العزيز الغفار ، وهذا ما يوضحه أحد الصالحين عند توضيحه لقول الله تبارك اسمه وتعالى.شأنه {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } وقوله النبى (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وتمامه (.. فَأَكْثِرُوا الدُّعَاء) ، رواه مسلم وأحمد وسنن أبي داوود .
حيث يقول{{ فإنَّ في هذه الآية والحديث تصريحاً بعدم تحيُّز الحق تبارك وتعالى في جهة دون أخرى أي فكما تطلبونه في العلوِّ ، فاطلبوه كذلك في السفل وخالفوا وهمكم وإنما جعل الشارع(صلى الله عليه وسلم) حال العبد في السجود أقرب من ربه دون القيام مثلا لأن من خصائص الحضرة أن لا يدخلها أحد إلا بوصف الذل والانكسار فإذا عفَّر العبد محاسنه في التراب كان أقرب في مشهده من ربه من حالة القيام فالقرب والبعد راجع إلى شهود العبد ربه لا إلى الحق تبارك وتعالى في نفسه فإن أقربيته واحدة ، قال تبارك وتعالى في حق المحتضر{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ } و {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ }[ أي الإنسان ]( مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } انتهى.
فالدعاء نور الروح وهداها وإشراق النفس وسناها وهو علاج القلق الذي ينتاب الإنسان في أوقات الأزمات ودواء الاضطراب والقنوط وهو الإكسير الذي يتجرَّعه المؤمن فيزول اضطرابه ويسكن قلقه وتنزل السكينة والطمأنينة على قلبه ويفرح فيه بلطف ربه هذا إلى جانب أنه يُزيل ما ران على القلب ويذيب الغشاوات التي تعلو صفحة الفؤاد ويجتث من الوجدان شرايين الغلظة والجفوة والقسوة ففيه طهارة القلوب وتزكية النفوس وتثقيف العقول وتيسير الأرزاق والشفاء من كل داء ودوام المسرات والسلامة من العاهات وهو سلاح المؤمن الذي ينفع مما نزل ومما لم ينزل فكن على يقين من أن إجابة الدعاء معلقة بمشيئة الله تعالى والحق يقول{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء}وقد ورد أن البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان حتى يغلب الدعاء البلاء وقد صدق رسول الله حيث يقول ( لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ )عن سلمان رضيَ اللَّهُ عنهُ ، جامع الأحاديث والمراسيل ومشكاة المصابيح والفتح الكبير
وقد وضح هذه الحقيقة الإمام الغزالي رضي الله عنه حيث يقول{ فإن قلت فما فائدة الدُّعاء والقضاء لا مردَّ له ؟ قلت : إن من القضاء ردَّ البلاء بالدُّعاء والدُّعاء سببٌ لردِّ البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لردِّ الســـهم فيتدافعان كذلك الدعاء والبلاء يتعالجان }فإذا ابتليت بمحنة يا أخي المؤمن فقل(ذلك تقدير العزيز العليم)وإذا رأيت بليَّـة فقــل ( سنَّة الله في خلقه ) وإذا نزل بك مكروه ( فاذكر أن الله ابتلى بالمكاره الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين)فمن كانت له فطنة وبصيرة علم أن أيام الابتلاء قصيرة وقد جمعنا في هذا الموضوع دعوات مستجابات واستغاثات مجربات وصلوات فاتحات وأحزاب كاشفات للهموم والكروب والملمات وهي من كتاب الله تعالى ومن أقواله رسوله الكريم ومن هدي السلف الصالح فاجعلها سميرك ورفيقك وستجدها الصديق الذي يرضيـك دائماً وتستريح إليه كلما نزل بك همٌّ أو غمٌّ وعند المتاعب والأزمات فقد جربناها فوجدناها سريعة الإجابة في تفريج الكروب وقضاء الحاجات بإذن الله تعالى وإياك والقلق والاضطراب والاستسلام للنحيب والبكاء واليأس من تحقيق الرجاء وكن كالشجرة العظيمة العالية لا تؤثر فيها الرياح العاتية فإذا صادفتك مشكلة فافحص أوجه حلِّها حتى لا تقع في مثلها وخذ في الأسباب وانتظر الفرج ولا تفقد الأمل ولا تضيِّع وقتك في القلق والاضطراب وفي لعن الحياة ودع التدبير لمدبِّر الأكوان مع الأخذ في الأسباب واعلم أن الله وحده يصرِّف الأمور ويفرِّج الكروب فاعرض مشاكلك كلها عليه وإن لم يكن ما تريد فليكن منك الرضا بما يريد والله غالبٌ على أمره فقد أوحى الله إلى شعيب عليه السلام : يا شُعيب هبْ لِي مِنْ وَقْتِكَ الْخُضُوعَ وَمِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ ثُمَّ ادْعُنِي، فَإِنِّي قَرِيبٌ.فاتَّجه يا أخي إلى الله وعوِّد لسانك مناجــاة الله وتوقع الخير دائمـــــاً من الله وكرِّر دائــــــماً قول الحق سبحانه {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أسأل الله أن ينفع بهذه الأدعية والاستغاثات كل من قرأهــا أو دعا بهــا أو أوصــلها لمن يحتاجهـــا