الرياض: د. حسن محمد صندقجي
من الحقائق الطبية اليوم أن احتمالات إصابة أحدنا بمرض ارتفاع ضغط الدم تزيد كلما تقدمنا في العمر، أي في الفترة التي تلي مرحلة الأربعينات من العمر. وفي المقابل لهذه الحقيقة التي تبدو في ظاهرها «حتمية الحدوث»، تشير نتائج الدراسات الطبية التي تابعت تأثيرات سلوكيات حياتية صحية في نمط العيش، أن ثمة الكثير مما يمكن أن يكون مفيداً جداً في خفض تلك الاحتمالات لارتفاع ضغط الدم عند التقدم في العمر. وأحد أهم ما ثبت علمياً بالتجربة، أنه مفيد لضبط احتمالات الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم ولخفض مقدار الارتفاع فيه لدى منْ هم مُصابون بهذا المرض، هو ممارسة قدر كاف وفاعل من الرياضة البدنية بشكل روتيني يومي. ومما يجب أن يكون واضحاً في الذهن، أن المقصود بـ «مقدار كاف وفاعل من الرياضة البدنية اليومية» ليس الهرولة لقطع مسافات سباق الماراثون، وليس بالضرورة متطلباً للانضمام إلى أحد المراكز الرياضية، بل العمل على القيام بمجهود بدني متوسط المقدار، يتم من خلاله تنشيط القلب والأوعية الدموية والرئتين ومجموعات من العضلات.
* ضغط الدم والرياضة
* ولأحدنا أن يسأل: ما علاقة الرياضة البدنية ونشاط حركة عضلات الجسم ومفاصله، بضغط الدم؟
وبطريقة مباشرة في الإجابة، هناك علاقة وثيقة ومباشرة بين بذل الإنسان للمجهود البدني الرياضي، ومن نوعية تمارين إيروبيك الهوائية بالذات، وبين مقدار ضغط الدم الموجود في شرايين الجسم. وكلما كان المستوى عالياً في ممارسة الرياضة البدنية المعتدلة من النوعية التي يتم أداؤها باستهلاك الأوكسجين، أي بطريقة إيروبيك، كلما كانت الفرصة أعلى في خفض ارتفاع ضغط الدم لدى المُصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم، وأيضاً تكون الفرصة أعلى في الحفاظ على مستويات طبيعية لضغط الدم لدى الأصحاء من الناس.
وتشير المصادر الطبية إلى أن ممارسة التمارين الرياضية بشكل يومي، يُؤدي إلى خفض مقدار ضغط الدم الانقباضي، أي الرقم الأعلى في قراءة ضغط الدم، بما يتراوح بين 5 و 10 مليمتر زئبقي. وهي كمية تُوازي ما هو متوقع من غالبية أنواع أدوية خفض ضغط الدم. ولذا هناك مرضى بارتفاع ضغط الدم يُمكن معالجتهم فقط بممارسة الرياضة البدنية، وهذا حقيقة. كما أن كثيراً من الناس الطبيعيين يُمكن منع إصابتهم بمرض ارتفاع ضغط الدم، عبر ممارسة الرياضة البدنية وعبر المحافظة على وزن طبيعي للجسم.
ومن المهم تذكّر أن تأثير ممارسة الرياضة البدنية على خفض ضغط الدم يأخذ حوالي ثلاثة أشهر، وأن التأثيرات الإيجابية للرياضة البدنية تتحقق طالما كان الإنسان مستمراً في ممارسة الرياضة. أي أسوة بتأثيرات أدوية خفض ضغط الدم، التي يأخذ بعضها وقتاً كي يظهر مفعوله كاملاً على ضغط الدم، والتي أيضاً يزول تأثيرها العلاجي عند التوقف عن تناول الأدوية تلك. وهذه الخلاصة العلمية الطبية مبنية على إدراك أحدنا وفهمه لعدة أمور أساسية حول ضغط الدم وتمارين إيروبيك الهوائية، وهي:
* أولاً: مقدار ضغط الدم
* ضغط الدم هو قيمة للقوة الحياتية التي تتواجد داخل الشرايين، والتي يتم بها ضخ الدم في داخل الشرايين لتوصيله إلى الأعضاء التي تحتاج هذا الدم من أجل ضمان حياتها.
وللتقريب في العرض، يقوم القلب بضخ الدم إلى الشرايين الكبيرة مع كل نبضة. وبنتيجة هذا الضخ تصل كمية من الدم إلى الشرايين الكبيرة في الجسم. ولكن تبقى مهمة أخرى لم تتم بعد، ألا وهي مواصلة ضخ الدم الذي وصل إلى الشرايين الكبيرة، كي يصل عبر الشرايين الأصغر إلى الأعضاء المختلفة في الجسم. أي إلى الدماغ والقلب والكلى والكبد والجهاز الهضمي والعضلات وغيرها. وحينما يكون هناك مقدار معتدل من ضغط الدم في داخل الشرايين، فإن الفرصة تتحقق في المزيد من دفع الدم قُدماً، أي استمرارية تدفقه إلى الأعضاء.
وعليه فإن التوازن ضروري بين عدم وجود انخفاض في ضغط الدم، إذْ من نتيجة ذلك عدم وصول الدم إلى الدماغ أو بقية أعضاء الجسم، وعدم ارتفاع ضغط الدم، إذْ من نتيجة ذلك وصول الدم بقوة عالية إلى الأعضاء ذات الأنسجة الرقيقة. ولذا فإن ارتفاع ضغط الدم سيُؤدي حتماً إلى تلف تلك الأعضاء. ومن هنا نسمع من الأطباء كثيراً أن طول استمرار ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاعه بدرجات كبيرة، سبب في فشل الكلى أو ضعف القلب أو جلطات الدماغ أو غيرها من الأضرار.
وما يصنع هذا المقدار المعتدل والضروري من ضغط الدم داخل الشرايين، هو التفاعل من جهة بين القوة التي يندفع بها الدم من القلب، وبين مرونة جدران الشرايين نفسها وانقباضات وانبساطات الطبقات العضلية المغلفة للشرايين، من جهة أخرى.
والطبيعي أن ثمة تحكما للجهاز العصبي والهرموني لهذه العمليات المعنية بشأن صناعة قدر معتدل من ضغط الدم في الشرايين.
* ثانياً: تمارين إيروبيك الهوائية
* حينما يُقال «تمارين إيروبيك الهوائية»، فإن المقصود هو أمران. الأول، عمل أحدنا على رفع قدرة رئتيه على التنفس بعمق وبسرعة، وذلك لزيادة توفير كمية كبيرة من الأوكسجين في الدم. والثاني، رفع قدرة القلب والأوعية الدموية على توصيل أكبر كمية ممكنة من الأوكسجين للأعضاء التي تحتاجه، أي إلى جميع أعضاء الجسم. وخلال التنفس يدخل الهواء إلى الرئة، ويتعرض فيها للشعيرات الدموية، التي بدورها تعمل على استخلاص الأوكسجين من الهواء وتحميله في هيموغلوبين كريات الدم الحمراء. ودور القلب يتلخص في ضخ الدم إلى الرئة كي يتحمّل بالأوكسجين، وضخ الدم المُحمل بالأوكسجين، والقادم إليه من الرئة، إلى جميع أرجاء الجسم عبر قوة انقباض عضلة القلب وعبر توفر قدر معتدل من ضغط الدم. ومن هنا نُدرك أن نجاح تزويد أعضاء الجسم بالكمية الكافية من الأوكسجين، يستلزم وجود رئتين تعملان بكفاءة، وقلب قوي قادر على استيعاب الدم القادم إليه وقادر على ضخه بالقوة اللازمة لإيصاله إلى أعضاء الجسم، وأوعية دموية مرنة وخالية من أي إعاقات في مجاريها وذات ضغط دموي معتدل. ولتحقيق هذا نحتاج إلى تنشيط وتمرين الرئتين والقلب والأوعية الدموية، كي تكون لديها كفاءة عالية في القيام بعملية توصيل الأوكسجين للأعضاء المختلفة بالجسم.
والطريقة الأفضل والأسهل هو جعل حركة عضلات الجسم، المحفز الأساسي لتنشيط عمل الرئتين والقلب والأوعية الدموية. والحركة المقصودة هي التي تكون متطلبة لاستهلاك الأوكسجين في إنتاج الطاقة اللازمة لحركة العضلات، أي حركة عضلية من النوع الهوائي، أو إيروبيك. أو بعبارة أخرى، حركية عضلية تفرض على الرئتين والقلب والأوعية الدموية، العمل على رفع كمية الأوكسجين في الدم والعمل على ضخه إلى أعضاء الجسم وتوصيله بكمية كافية.
* ثالثاً: إيروبيك وضغط الدم
* عندما يقوم أحدنا بأحد أنواع تمارين إيروبيك الرياضية، أي كالهرولة أو السباحة أو ركوب الدراجة الهوائية، فإن عليه أن يُراعي أمرين. الأول، أن يقوم بتلك الهرولة بالتدرج، أي أن لا يبدأ بسرعة في إجهاد عضلات الساقين والفخذين وبقية العضلات التي تتحرك أثناء الجري. والثاني، أن يُراعي التدرج في رفع عدد نبضات القلب، ويُراعي الوصول بها إلى مقدار متوسط الارتفاع.
والسبب وراء مراعاة هذين الأمرين هو الحفاظ على حركة العضلات ضمن نوعية الحركات التي تتطلب الأوكسجين في إنتاج الطاقة اللازمة لإتمام الحركة. ذلك أن الضغط على العضلات لكي تُنجز مجهوداً عضلياً كبيراً خلال وقت قصير من البدء في الحركة، ستستجيب له العضلة مجبورة عبر لجوئها إلى الطريق اللاهوائي، أو إيروبيك، في إنتاج الطاقة دونما استخدام للأوكسجين.
وللتقريب، فإن للإنسان أن يُهرول مثلاً لنصف ساعة في قطع حوالي أربعة كيلومترات، كما أن للإنسان أن يُهرول بسرعة وخلال ربع دقيقة لقطع مسافة مائة متر. والفرق بين نوعي الهرولة، أن الجري السريع في سباقات قطع المائة متر، لا تستخدم العضلات فيها الأوكسجين، بل تُنتج طاقة عالية في بضعة ثوان عبر الطريق اللاهوائي لإتمام قطع تلك المسافة القصيرة خلال وقت قياسي إن أمكن. بينما الهرولة المتدرجة في إجهادها للعضلات وفي تحريكها المعتدل لها، ستكون مريحة وعبر استخدام الأوكسجين في حرق السكريات لإنتاج الطاقة اللازمة لتحريك العضلات.
ولذا فإن القيام بتمارين إيروبيك الهوائية بطريقة متدرجة، وبمقدار لا يُجهد القلب بشدة، سيُؤدي إلى إعطاء الفرصة الكافية لتنشيط الرئتين ولتنشيط القلب ولتنشيط الأوعية الدموية. وخلال هذه التمارين، وبهذه الصفة المعتدلة، ستكون ثمة فرصة لعمل القلب والأوعية الدموية على خفض مقدار ضغط الدم.
الرياضة وضبط ضغط الدم
* كم من الرياضة نحتاج لضبط ضغط الدم؟
* ان ممارسة الرياضة البدنية مضمار واسع جداً. وهناك أنواع من الممارسات الرياضية لا علاقة لها مباشرة بالصحة، مثل ممارسات الرياضيين المحترفين في الألعاب المختلفة، وهناك ممارسات يُقصد منها بلوغ درجات مفيدة من اللياقة البدنية الصحية.
وللتوضيح، حينما يُمارس أحدنا الرياضة البدنية لغايات تتعلق بالصحة، أي دون الغايات الترفيهية والاحترافية، فإنه ينوي أن يُمارس ما يُساعد على حفظ أعضاء جسمه سليمة من الأمراض، وما يُساعد على رفع قدراته على أداء المهام الحياتية، كالأسرية والاجتماعية والوظيفية وغيرها.
وما يحتاج أحدنا من «اللياقة البدنية» هو أربعة أنواع. الأول، لياقة حركة إيروبيك الهوائية. والثاني، لياقة العضلات في القوة والحركة والبناء. والثالث، لياقة المرونة والشد في العضلات والمفاصل. والثالث، لياقة حفظ توازن لبّ الجسم.
وصحيح أن لياقة العضلات ولياقة المرونة ولياقة التوازن مفيدة لعيش الإنسان في الحياة ولحمايته من الإصابات والحوادث، إلا أن ما يُفيد القلب والرئتين والأوعية الدموية ويُخفض مقدار ضغط الدم وكوليسترول الدم ويحمي من الإصابة بمرض السكري وأمراض السرطان وغيرها من الفوائد، هو تمارين إيروبيك الهوائية.
وتحديداً في جانب خفض ضغط الدم، لا يتطلب الأمر الاشتراك في ناد رياضي لممارسة تمارين الجيمنستيك للعضلات وحمل أوزان الحديد أو غير ذلك، بل المطلوب إدخال مقدار متوسط من الحركة العضلية على حياة الإنسان اليومية. وأي نشاط بدني يُؤدي إلى رفع نبض القلب وعدد مرات التنفس، في الدقيقة الواحدة، يُعتبر من تمارين إيروبيك الهوائية. ولذا فإن تمارين إيروبيك الهوائية ليست فقط الهرولة والسباحة وركوب الدراجة الهوائية، بل حتى صعود الدرج أو العمل في الحديقة والمزرعة لجزّ العشب أو قطع فروع الأشجار وتقليمها أو ترتيب وتنظيف المنزل وغيرها، هي كلها تمارين إيروبيك.
والهدف هو ممارسة حوالي نصف ساعة من النشاط البدني الهوائي خلال معظم أيام الأسبوع. أو ممارسة تلك الرياضة لمدة ربع ساعة، مرتين يومياً. وثمة الكثير مما يُمكن به أن نُدخل تمارين إيروبيك في حياتنا اليومية، كالصعود باستخدام سلالم الدرج بدل استخدام المصعد الكهربائي، أو المشي أثناء العمل فيما بين المكاتب أو أثناء المكالمات الهاتفية أو في فرصة الراحة لتناول طعام الغداء <
* خفض ضغط الدم بالرياضة.. المتابعة والأمان
* التدرج في بدء التمرين الرياضي، والتدرج في التوقف عنه، أساس ممارسة تمارين إيروبيك الهوائية. ومثلاً عند ممارسة رياضة الهرولة لمدة نصف ساعة يومياً، فإن أو خمس دقائق، تكون مخصصة للتدرج في تصاعد وتيرة الهرولة. وآخر خمس دقائق تكون في تناقص وتيرة الهرولة. وأثناء العشرين دقيقة المتوسطة، تكون الهرولة معتدلة، أي معتدلة في رفعها مقدار نبض القلب.
وعلينا تذكر أن حبس هواء النفس في الصدر أثناء أداء مجهود بدني، وخاصة تلك الأنواع التي تُجهد العضلات فيها بشدة، يُؤدي إلى رفع مقدار ضغط الدم. ويزيد الارتفاع في ضغط الدم عند حبس النفس مع إجهاد العضلة بطريقة لاهوائية، كمثل أثناء رفع الأوزان. ولذا من المهم أن يُمارس المرء عملية التنفس بتكرار خلال الهرولة أو السباحة.
وعلى أحدنا أن يتنبه إلى ضرورة التوقف عن الاستمرار في ممارسة الرياضة البدنية حينما تظهر عليه أحد الأمور التالية:
> ألم في الصدر، أو ضيق شديد في التنفس.
> دوار ودوخة أو إغماء.
> ألم في الذراع الأيمن أو الفك السفلي.
> الإحساس بحفقان القلب، أي اضطراب إيقاع النبض.
> إجهاد بدني شديد.
* عند البدء ببرنامج للرياضة.. مراجعة الطبيب وإتباع وسائل السلامة
* عادة، وعند الرغبة في البدء ببرنامج رياضي من التمارين الهوائية المعتدلة، لا يتطلب الأمر ضرورة مراجعة الطبيب. ولكن في بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل مراجعة الطبيب، وذلك قبل البدء ببرنامج رياضي صارم، وخاصة حينما يكون ثمة امور مثل:
> عمر الإنسان قد تجاوز الخمسين، ولم يسبق للشخص أن مارس الرياضة بانتظام.
> المُدخنين بشراهة لفترات طويلة.
> منْ لديهم سُمنة مفرطة.
> منْ يُعانون من أحد الأمراض المزمنة ويُواجه طبيبهم صعوبات في التحكم فيها، مثل ارتفاع ضغط الدم أو الكولسترول أو مرض السكري.
> منْ سبقت إصابتهم بأمراض القلب، في الشرايين أو الصمامات أو العضلة أو اضطرابات إيقاع نبض القلب.
> منْ لديهم إصابات أو أمراض في الدماغ والجهاز العصبي.
> منْ يتناولون أدوية بشكل منتظم أو متقطع، لها تأثيرات محتملة على أعضاء الجسم، وخاصة القلب أو الجهاز العصبي.
> منْ هم غير متأكدين من سلامتهم من أي أمراض، أي الذين لا يُجرون الفحوصات الطبية الدورية وفق الجداول الزمنية الخاصة بكل مرحلة من مراحل العمر.
ا