حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَخْبَرَهُ
أَنَّ عَلِيًّا قَالَ كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ
يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمُسِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ
بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ
مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ
وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ
لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنْ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ
وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ
رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ قَدْ اجْتُبَّ
أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا
فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا
فَقُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَالُوا فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الْأَنْصَارِ
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى
نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ
ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ
أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ
حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ فَطَفِقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ
فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ
فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ
صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ
فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا
عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ
الشروح
"
- ص 226 -"" - ص 227 -"" - ص 228 -"" - ص 229 -" قَوْلُهُ : ( بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابُ فَرْضِ الْخُمُسِ ) كَذَا وَقَعَ
عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ، وَلِلْأَكْثَرِ " بَابُ " ، وَحَذَفَهُ
بَعْضُهُمْ ، وَثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِلْأَكْثَرِ وَ " الْخُمُسُ "
بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ ،
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " فَرْضُ الْخُمُسِ " أَيْ : وَقْتُ فَرْضِهِ أَوْ
كَيْفِيَّةُ فَرْضِهِ ، أَوْ ثُبُوتُ فَرْضِهِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى
أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِ الْخُمُسِ " - فِي الْغَنِيمَةِ - " كَانَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ ، وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ
تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ : فَيُعْزَلُ خُمُسٌ مِنْهَا يُصْرَفُ
فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي مُسْتَحِقِّيهِ
بَعْدَ أَبْوَابٍ ، وَكَانَ خُمُسُ هَذَا الْخُمُسِ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - مَنْ يَسْتَحِقُّهُ - " ،
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ : فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ ، وَعَنْهُ يُرَدُّ عَلَى الْأَصْنَافِ
الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْحَنَفِيَّةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمْ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقِيلَ
يَخْتَصُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ ، وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ
الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ إِلَّا السَّلَبَ فَإِنَّهُ لِلْقَاتِلِ
عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ
ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ
أَحَدُهَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قِصَّةِ الشَّارِفَيْنِ
قَوْلُهُ
: ( كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ )
الشَّارِفُ الْمُسِنُّ مِنَ النُّوقِ ، وَلَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ عِنْدَ
الْأَكْثَرِ ، وَحَكَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ
جَوَازَهُ ، قَالَ عِيَاضٌ : جَمْعُ فَاعِلٍ عَلَى فُعُلٍ بِضَمَّتَيْنِ
قَلِيلٌ
قَوْلُهُ : ( وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ :
ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُمُسَ شُرِعَ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ
أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْخُمُسَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقَدْ
ذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ :
قِيلَ إِنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ فُرِضَ فِيهِ الْخُمُسُ ، قَالَ : وَقِيلَ
نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ، قَالَ : ولَمْ يَأْتِ مَا فِيهِ بَيَانٌ شَافٍ
وَإِنَّمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ :
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ قَوْلُ عَلِيٍّ إِلَى تَأْوِيلٍ .
قَالَ : وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سَرِيَّةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ فِي رَجَبٍ قَبْلَ بَدْرٍ
بِشَهْرَيْنِ ، وَأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَالَ : ذَكَرَ لِي بَعْضُ آلِ
جَحْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ ، وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ الْخُمُسَ ، فَعَزَلَ لَهُ الْخُمُسَ ،
وَقَسَّمَ سَائِرَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، قَالَ فَوَقَعَ رِضَا
اللَّهِ بِذَلِكَ ، قَالَ فَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ " وَكَانَ قَدْ
أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ " أَيْ : مِنَ الَّذِي حَصَلَ مِنْ
سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ .
قُلْتُ : وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ
أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَغَازِي " وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَيْهِ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ " وَالْعَجَبُ أَنَّ ابْنَ بَطَّالٍ
عَزَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِأَبِي دَاوُدَ وَجَعَلَهَا شَاهِدَةً لِمَا
تَأَوَّلَهُ ، وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهَا فِي الْبُخَارِيِّ الَّذِي شَرَحَهُ
وَعَنْ كَوْنِ ظَاهِرِهَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لَا لَهُ ، وَلَمْ أَقِفْ
عَلَى مَا نَقَلَهُ أَهْلُ السِّيَرِ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي
غَنَائِمِ بَدْرٍ خُمُسٌ ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يُثْبِتُ فِي غَنِيمَةِ
السَّرِيَّةِ الَّتِي قَبْلَ بَدْرٍ الْخُمُسَ وَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ
رَضِيَ بِذَلِكَ وَيَنْفِيهِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ مَعَ أَنَّ الْأَنْفَالَ
الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِفَرْضِ الْخُمُسِ نَزَلَ غَالِبُهَا فِي
قِصَّةِ بَدْرٍ ، وَقَدْ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ بِأَنَّ آيَةَ
الْخُمُسِ نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : نَزَلَتِ
الْأَنْفَالُ فِي بَدْرٍ وَغَنَائِمِهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ آيَةَ
قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ تَفْرِقَةِ الْغَنَائِمِ ; لِأَنَّ
أَهْلَ السِّيَرِ نَقَلُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَسَّمَهَا عَلَى السَّوَاءِ وَأَعْطَاهَا لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَوْ
غَابَ لِعُذْرٍ تَكَرُّمًا مِنْهُ ; لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كَانَتْ أَوَّلًا
بِنَصِّ أَوَّلَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ
السِّيَرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ يَعْنِي : حَدِيثَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ :
وَأَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي
أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خُمُسٌ . قُلْتُ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
قِسْمَةُ غَنَائِمِ بَدْرٍ وَقَعَتْ عَلَى السَّوَاءِ بَعْدَ أَنْ أُخْرِجَ
الْخُمُسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ " - ص 230 -" مِنْ قِصَّةِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ
، وَأَفَادَتْ آيَةُ الْأَنْفَالِ - وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ إِلَى آخِرِهَا - بَيَانُ مَصْرِفِ الْخُمُسِ لَا
مَشْرُوعِيَّةَ أَصْلِ الْخُمُسِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَا
نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ السِّيَرِ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :
فَلَمَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْغَنِيمَةِ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُنَا
انْتَزَعَهَا اللَّهُ مِنَّا فَجَعَلَهَا لِرَسُولِهِ ، فَقَسَمهَا عَلَى
النَّاسِ عَنْ سَوَاءٍ " أَيْ : عَلَى سَوَاءٍ ، سَاقَهُ مُطَوَّلًا ،
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِهِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ
حَيَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ
قَوْلُهُ : (
أَبْتَنِي بِفَاطِمَةَ ) أَيْ : أَدْخُلُ بِهَا ، وَالْبِنَاءُ الدُّخُولُ
بِالزَّوْجَةِ ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ
بُنِيَتْ لَهُ قُبَّةٌ فَخَلَا فِيهَا بِأَهْلِهِ ، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ
دُخُولِ عَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ
كَانَ عَقِبَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ ، فَإِنَّ وَقْعَةَ بَدْرٍ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ مِنْهَا ،
وَقِيلَ تَزَوَّجَهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَعَلَّ قَائِلَ ذَلِكَ
أَرَادَ الْعَقْدَ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي صَفَرٍ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ ، وَقِيلَ فِي رَجَبٍ ، وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ ،
قُلْتُ : وَهَذَا الْأَخِيرُ يُشْبِهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَهْرِ
الدُّخُولِ بِهَا ، وَقِيلَ تَأَخَّرَ دُخُولُهُ بِهَا إِلَى سَنَةِ
ثَلَاثٍ ، فَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ ، وَفِيهِ بُعْدٌ
قَوْلُهُ : ( وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا )
بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدِ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى
اسْمِهِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الشُّرْبِ طَابِعٌ
بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ ، وَطَالِعٌ بِلَامٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ
أَيْ : مَنْ يَدُلُّهُ وَيُسَاعِدُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ اسْمُ
الصَّائِغِ الْمَذْكُورِ ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ بُعْدٌ
قَوْلُهُ
: ( مُنَاخَتَانِ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى
لِأَنَّهُمَا نَاقَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ كَرِيمَةَ " مُنَاخَانِ "
بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الشَّارِفِ
قَوْلُهُ : ( إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ
قَوْلُهُ
: ( فَرَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الشُّرْبِ " وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ " أَيْ : الَّذِي أَنَاخَ
الشَّارِفَيْنِ بِجَانِبِهِ " وَمَعَهُ قَيْنَةٌ " بِفَتْحِ الْقَافِ
وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٌ هِيَ الْجَارِيَةُ
الْمُغَنِّيَةُ " ، فَقَالَتْ :
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءُ
وَالشُّرُفُ
جَمْعُ شَارِفٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالنِّوَاءُ - بِكَسْرِ النُّونِ
وَالْمَدِّ مُخَفَّفًا - جَمْعُ نَاوِيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ السَّمِينَةُ ،
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ رَوَاهُ " ذَا
الشَّرَفِ " بِفَتْحِ الشِّينِ ، وَفَسَّرَهُ بِالرِّفْعَةِ ، وَجَعَلَهُ
صِفَةً لِحَمْزَةَ ، وَفَتَحَ نُونَ النِّوَاءِ وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ
أَيْ : الشَّرَفِ الْبَعِيدِ أَيْ : مَنَالُهُ بَعِيدٌ ، قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ .
وَحَكَى
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ أَبَا يَعْلَى حَدَّثَهُ بِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
جُرَيْجٍ فَقَالَ " الثِّوَاءُ " بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، قَالَ
فَلَمْ نَضْبِطْهُ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ ،
وَالْأَصِيلِيِّ النَّوَى بِالْقَصْرِ وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا ، وَقَالَ
الدَّاوُدِيُّ : النِّوَاءُ الْخِبَاءُ ، وَهَذَا أَفْحَشُ فِي الْغَلَطِ
وَحَكَى الْمَرْزُبَانِيُّ فِي مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ أَنَّ هَذَا
الشِّعْرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ
الْمَخْزُومِيِّ جَدِّ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ ،
وَبَقِيَّتُهُ " وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ "
ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بِالدِّمَاءِ
وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبهَا لِشَرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخٍ أَوْ شِوَاءِ
"
- ص 231 -" وَالشَّرْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ شَارِبٍ ، كَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ ، وَالْفِنَاءُ
بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ : الْجَانِبُ ، أَيْ : جَانِبُ الدَّارِ
الَّتِي كَانُوا فِيهَا . وَالْقَدِيدُ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ ،
وَالتَّضْرِيجُ بِمُعْجَمَةٍ وَجِيمٍ : التَّلْطِيخُ ، فَإِنْ كَانَ
ثَابِتًا فَقَدْ عَرَّفَ بَعْضَ الْمُبْهَمِ فِي قَوْلِهِ " فِي شَرْبٍ
مِنَ الْأَنْصَارِ " لَكِنَّ الْمَخْزُومِيَّ لَيْسَ مِنَ الْأَنْصَارِ ،
وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ .
وَأَرَادَ الَّذِي نَظَمَ هَذَا الشِّعْرَ ، وَأَمَرَ الْقَيْنَةَ أَنْ
تُغَنِّيَ بِهِ أَنْ يَبْعَثَ هِمَّةَ حَمْزَةَ لِمَا عَرَفَ مِنْ كَرَمِهِ
عَلَى نَحْرِ النَّاقَتَيْنِ لِيَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهِمَا ، وَكَأَنَّهُ
قَالَ : انْهَضْ إِلَى الشُّرُفِ فَانْحَرْهَا ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ
مِنْ بَقِيَّةِ الشِّعْرِ . وَفِي قَوْلِهَا : لِلشُّرُفِ " بِصِيغَةِ
الْجَمْعِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلَّا الِاثْنَتَانِ
دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ .
وَقَوْلُهُ : يَا حَمْزُ " تَرْخِيمٌ " وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ ،
وَيَجُوزُ ضَمُّهَا
قَوْلُهُ : ( قَدْ أُجِبَّتْ ) وَقَعَ مِثْلُهُ فِي
رِوَايَةِ عَنْبَسَةَ فِي الْمَغَازِي ، وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ، وَفِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا " قَدْ جُبَّتْ " بِضَمِّ الْجِيمِ
بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ قُطِعَتْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ
مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ " قَدِ اجْتُبَّتْ " وَهُوَ
صَوَابٌ أَيْضًا ، وَالْجَبُّ الِاسْتِئْصَالُ فِي الْقَطْعِ
قَوْلُهُ :
( وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا ) زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ " قُلْتُ لِابْنِ
شِهَابٍ : وَمِنَ السَّنَامِ ، قَالَ : قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهَمَا "
وَالسَّنَامُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَقَوْلُهُ " بَقَرَ " بِفَتْحِ
الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ أَيْ : شَقَّ
قَوْلُهُ : ( فَلَمْ أَمْلِكْ
عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " حَيْثُ
رَأَيْتُ " وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَكَى مِنْ شِدَّةِ الْقَهْرِ الَّذِي
حَصَلَ لَهُ . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ " رَأَيْتُ مَنْظَرًا
أَفْظَعَنِي " بِفَاءٍ وَظَاءٍ مُشَالَةٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ : نَزَلَ بِي
أَمْرٌ مُفْظِعٌ أَيْ : مُخِيفٌ مَهُولٌ ، وَذَلِكَ لِتَصَوُّرِهِ
تَأَخُّرَ الِابْتِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَا يُسْتَعَانُ
بِهِ عَلَيْهِ ، أَوْ لِخَشْيَةِ أَنْ يُنْسَبَ فِي حَقِّهَا إِلَى
تَقْصِيرٍ لَا لِمُجَرَّدِ فَوَاتِ النَّاقَتَيْنِ
قَوْلُهُ : ( حَتَّى أَدْخُلَ ) كَذَا فِيهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ
قَوْلُهُ
: ( فَطَفِقَ يَلُومُ حَمْزَةَ ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ " فَدَخَلَ
عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ " قَوْلُهُ : ( هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا
عَبِيدٌ لِأَبِي ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ " لِآبَائِي " قِيلَ
أَرَادَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَدٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَلِيٍّ أَيْضًا ، وَالْجَدُّ يُدْعَى
سَيِّدًا ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَمْزَةَ أَرَادَ الِافْتِخَارَ عَلَيْهِمْ
بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْهُمْ .
قَوْلُهُ : (
الْقَهْقَرَى ) هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ ، وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ
خَشْيَةَ أَنْ يَزْدَادَ عَبَثُ حَمْزَةَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَيَنْتَقِلُ
مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُ مِنْ
حَمْزَةَ بِمَرْأَى مِنْهُ لِيَدْفَعَهُ إِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ
قَوْلُهُ
: ( وَخَرَجْنَا مَعَهُ ) زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ " وَذَلِكَ قَبْلَ
تَحْرِيمِ الْخَمْرِ " أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَاخِذِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بِقَوْلِهِ . وَفِي هَذِهِ
الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ
طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ فَإِنَّهُ إِذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ
كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ لِكَوْنِهِ
لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ الضَّرَرَ ، وَالَّذِي يَقُولُ يَقَعُ
طَلَاقُ السَّكْرَانِ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ
السُّكْرَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فَعُوقِبَ بِإِمْضَاءِ الطَّلَاقِ
عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ
وَلَا نَفْيِهِ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ
يَقُولُ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سُنَّةً . قُلْتُ :
وَفِيهِ أَنَّ الْغَانِمَ يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ :
مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ ، " - ص 232 -" وَمِنَ
الْخُمُسِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ ، وَأَنَّ لِمَالِكِ
النَّاقَةِ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا . وَفِيهِ
الْإِنَاخَةُ عَلَى بَابِ الْغَيْرِ إِذَا عَرَفَ رِضَاهُ بِذَلِكَ
وَعَدَمَ تَضَرُّرِهِ بِهِ ، وَأَنَّ الْبُكَاءَ الَّذِي يَجْلُبُهُ
الْحُزْنُ غَيْرُ مَذْمُومٍ ، وَأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَمْلِكُ
دَمْعَهُ ، إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَيْظُ . وَفِيهِ مَا رُكِّبَ فِي
الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوْتِ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَمَا
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَأَنَّ اسْتِعْدَاءَ الْمَظْلُومِ عَلَى مَنْ
ظَلَمَهُ وَإِخْبَارَهُ بِمَا ظَلَمَ بِهِ خَارِجٌ عَنِ الْغِيبَةِ
وَالنَّمِيمَةِ ، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَجَوَازُ
الِاجْتِمَاعِ فِي الشُّرْبِ الْمُبَاحِ ، وَجَوَازُ تَنَاوُلِ مَا يُوضَعُ
بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ ، وَجَوَازُ الْغِنَاءِ بِالْمُبَاحِ مِنَ
الْقَوْلِ ، وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مِنَ الْأَمَةِ ،
وَالتَّخَيُّرُ فِيمَا يَأْكُلُهُ ، وَأَكْلُ الْكَبِدِ وَإِنْ كَانَتْ
دَمًا . وَفِيهِ أَنَّ السُّكْرَ كَانَ مُبَاحًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ،
وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ السُّكْرَ لَمْ يُبَحْ قَطُّ ،
وَيُمْكِنْ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى السُّكْرِ الَّذِي مَعَهُ التَّمْيِيزُ
مِنْ أَصْلِهِ . وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ ، وَسَيَأْتِي
شَرْحُهَا فِي النِّكَاحِ ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الصِّيَاغَةِ وَالتَّكَسُّبِ
بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ ، وَجَوَازُ جَمْعِ
الْإِذْخِرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالتَّكَسُّبِ بِذَلِكَ ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشُّرْبِ . وَفِيهِ الِاسْتِعَانَةُ فِي
كُلِّ صِنَاعَةٍ بِالْعَارِفِ بِهَا ، قَالَ الْمُهَلَّبُ : وَفِيهِ أَنَّ
الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ جِنَايَةَ ذَوِي الرَّحِمِ مُغْتَفَرَةٌ .
قُلْتُ : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَى عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَغْرَمَ حَمْزَةَ ثَمَنَ النَّاقَتَيْنِ ، وَفِيهِ عِلَّةُ تَحْرِيمِ
الْخَمْرِ ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بَيْتِ مَنْ
بَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ لِيُغَيِّرَهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ :
فِيهِ حِلُّ تَذْكِيَةِ الْغَاصِبِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا
بَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا إِلَّا بَعْدَ
التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ، وَفِيهِ سُنَّةُ الِاسْتِئْذَانِ فِي
الدُّخُولِ ، وَأَنَّ الْإِذْنَ لِلرَّئِيسِ يَشْمَلُ أَتْبَاعَهُ لِأَنَّ
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَلِيًّا دَخَلَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ اسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُ ،
وَأَنَّ السَّكْرَانَ يُلَامُ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ اللَّوْمَ ، وَأَنَّ
لِلْكَبِيرِ فِي بَيْتِهِ أَنْ يُلْقِيَ رِدَاءَهُ تَخْفِيفًا ، وَأَنَّهُ
إِذَا أَرَادَ لِقَاءَ أَتْبَاعِهِ يَكُونُ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَةٍ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ
إِلَى حَمْزَةَ أَخَذَ رِدَاءَهُ . وَأَنَّ الصَّاحِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يُخَاطِبَ السَّكْرَانَ ، وَأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ
زَائِلِ الْعَقْلِ لَا يُوَلِّيهِ ظَهْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ . وَفِيهِ
إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ قَدْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَجَوَازُ
الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ لِقَوْلِ حَمْزَةَ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا
عَبِيدٌ لِأَبِي ؟ وَمُرَادُهُ كَالْعَبِيدِ ، وَنُكْتَةُ التَّشْبِيهِ
أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَهُ فِي الْخُضُوعِ لَهُ ، وَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ
فِي مَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ . وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ . قُلْتُ : وَفِي كَثِيرٍ مِنْ
هَذِهِ الِانْتِزَاعَاتِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ