أهمية التواضع والتكابر في الحياة ..
السلآم عليكم ورحمة الله وبركــآته
**
*
أهمية التواضع والتكابر في الحياة ..
ثلاثة من بني إسرائيل
رفع كل منهم يديه إلى السماء يدعو الله أن يفرّج عنه ما فيه من مصاب .
أما الأول فكان أبرص ، وأما الثاني فأقرع ، والثالث أعمى .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يختبرهم ، فأرسل إليهم ملَكاً .
فلمّا جاء الأبرصَ قال :
أي شيء أحبّ إليك ؟
قال :
لون حسَن ، وجلد حسن، ويذهب عني هذا البرَصُ الذي استقذرني الناسُ له ،
فتقزّزتْ نفوسُهم ، وتحاشَوني ..
إني لأشعر بالأسى يجرح شعوري ، والخزي ِ يلاحقـُني .
قال الملَك :
ألا ترى أن الصبر على ذلك ثوابُه الجنـّة؟
قال :
بلى ، ولكنّ العافية أوسع لي .
قال الملك :
ولَئِنْ شفاك الله ما أنت صانعٌ؟
قال :
الشكرُ لله سبحانه ، ولأكونَـنّ عند حسن ظن ربي بي .
فمسحه الملك ، فذهب عنه قذَرُه ، وانقلب كأحسن ما يكون الرجلُ ..
لونٌ حسنٌ ، ومنظرٌ بهِيّ ،
وعافيةٌ . .. كل ذلك بإذن الله سبحانه .
ثم
قال الملَك :
أي المال أحبّ إليك؟
قال :
الإبل . ... فأعطاه الملَك ناقةً عُشَراءَ ( حاملاً) ،
وقال له :
بارك الله لك فيها ...
وأتى الملَكُ الأقرعَ ،
فقال :
أي شيء أحبّ لك ؟
قال الأقرعُ :
شعر حسنٌ ، فإن ذهاب شعري وتقيّح رأسي نفـّر الناس منّي ، وكرّهني إليهم .
قال الملك :
ولكنّ الصبر على هذه البلوى واحتساب الأجر عند الله خير .
قال الأقرع :
نعم ، ولكنّ العافية أوسع لي .
قال الملك :
ما تصنع إن شفاك الله وجمّلك ؟
قال :
الشكرُ لله نُصب عيني ، ولأكونَنّ عند حسن ظن ربي بي .
فمسحه الملَك ، فذهب عنه درَن رأسه بإذن الله تعالى ، وكُسِيَ شعراً جميلاً أظهر
حُسنَه ، فامتلأ سعادة .
ثمّ
قال الملك :
أيّ المال أحبّ إليك ؟
قال الرجل :
أحبّ البقر .. فأعطاه الملك بقرةً حاملاً ، وقال له : بارك الله لك فيها ..
وأتى الملك ثالثهم .. الأعمى ،
فقال :
أيّ شيء أحبّ لك ؟
قال الأعمى :
أن يرد الله عليّ بصري ، فأبصر كما يبصر الناس .
قال الملك :
ألست معي أن الابتلاء مع الصبر يرفع درجات المؤمن في الجنّة ؟!
قال الأعمى :
بلى ، لست أنكر ذلك ، ولكنني أتحاشى الناس كي لا يقعوا منّي على ما يكرّههم
فيّ ، وأرجو ربي أن يعينني على شكره .
فمسحه الملك ، فردّ الله عليه بصره .
ثم قال له :
أيّ المال أحبّ إليك ؟
قال :
الغنم ... فأعطاه الملك شاة والداً ،
وقال له :
بارك الله لك فيها ..
فأنتج الأول إبِلاً كثيرة ملأت الوادي .
وأنتج الثاني بقراً كثيراً ملأ الوادي .
وولد الغنم ، فكان له منها وادٍ ممتلئ.
مرّت الأيامُ ، وعاش هؤلاء الثلاثة في رغَدٍ من العيش وبُحبوحة . وعادوا في الناس
كأحسن ما يكون الرجل
في أهله وعشيرته ، وكان لهم في أقوامهم ومعارفهم العز والسؤدد ...
وحان وقتُ الاختبار .. ألمْ يدّعِ كل منهم أن يكون لله عبداً شكوراً ؟
وأن يحسن إلى الفقراء والمرضى وأبناء
السبيل وأهل الحاجة ، وأن لا يرد أحداً قصَدَه ؟ وأن يكون عند حسن ظن ربه به ؟
والسعيدُ من صدَق اللهَ وعدَه.
جاء الملك إلى من كان أبرص فشفاه الله .. جاءه على هيئته يوم كان أبرص
تكره العينان رؤيته .
فقال :
رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلن أصل إلى أهلي وبلدي
إلا بفضل الله ، ثم بجودك وكرمك ..
أرجو أن تهبني جملاً يبلّغني الأهل والبلد .
قال :
كنت أود أن أعطيك ، ولكنني لا أستطيع لكثرة حقوق الناس عليّ وضيق يدي .
قال الملك :
أسألك بالله الذي أعطاك اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال الوافر أن لا تبخل
عليّ ، وأن تكرمني كما أكرمك الله .
قال :
لا تُكثر المسألة أيها الرجل ، هيا اغرب عن وجهي .
قال الملك وهو ما يزال على هيئة الأبرص – يذكّره بما كان عليه ، علّه يرعوي ،
فيفي اللهَ ما وعده :
كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص يقذرك الناس فجمّلك الله ؟ وفقيراً ، فأغناك الله ؟
قال الرجل منكراً ذلك جاحداً نعمة الله وفضله :
لم أكن كما تدّعي - أيها الأفـّاك - إنما ورثت المال عن آبائي العظام وأجدادي
الكرام ، كابراً عن كابر .
وهنا
قال الملك
بعد أن ذكـّر فأعذر :
إن كنت كاذباً فإني أسأل الله أن تعود كما كنت .
وفجأة عاد الرجل كما كان - أبرص كريه المنظر .. لم يف ما قطع على نفسه لله
من عهد ، فعاد سيرته الأولى جزاء غدره وإخلافه .
وأتى الملك من كان أقرع على هيئته وصورته ، فقال له مثل ما قال لسابقه .
فردّ عليه بمثل ما ردّ الأبرصُ عليه .
فدعا الملك عليه أن يعود أقرع كما كان يقذره الناس ويتحاشونه ، فعاد المسكين
كما كان جزاء وفاقاً ..
لم يحفظ نعمة الله عليه بالشكر وأداء الحقوق .
وجاء الملك إلى من كان أعمى على هيئته وصورته السابقة فقال :
رجل مسكين ، وابن سبيل ، انقطعت بي السبل في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله
ثم بك . أسألك بالذي
ردّ عليك بصرك ، ورزقك من فضله العميم شاةً أتبلغ بها في سفري .
نظر الرجل إليه في ضعفه وفقره فأشفق عليه ، وتذكر ما كان هو عليه من هذا
الضعف وقلة الحيلة ،
فحمد الله تعالى على لطفه فيه .. وبالشكر تدوم النعم .
ثم قال له :
صدقت فيما قلت يا أخا الإيمان ، لقد كنتُ كما قلتَ . وقد ردّ الله عليّ بصري ،
.وأكرمني فرزقني ،
وأقسمت لأكوننّ من الشاكرين ؛ فخذ ما شئت من الغنم ، وما رغبتَ من المال ،
ولن أمنعك ذلك ، فلله المنّة أولاً وآخراً .
قال الملك :
أمسك عليك مالك ، بارك الله لك فيه ، إنما اختبرك الله وصاحبيك ،
فرضي عنك وسخط عليهما .
متفق عليه.. رياض الصالحين .