على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين
الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
أخي الحبيب: أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام
بها علماً وعملاً. وإذا عرفوا قدرها فهم لا يعرفون الطريق إليها، وإذا
عرفوا الطريق فهم لا يعرفون كيف يبدءون؟
فتعال معي أخي الحبيب لنقف على حقيقة التوبة، والطريق إليها عسى أن نصل إليها.
كلنا ذوو خطأ
أخي الحبيب:
كلنا مذنبون... كلنا مخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله
مرة، وتسيطر علينا الغفلة أخرى، لا نخلو من المعصية، ولا بد أن يقع منا
الخطأ، فلست أنا و أنت بمعصومين { كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
والسهو والتقصير من طبع الإنسان، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن
يفتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال عليه، كلما غلبته
الذنوب ولوثته المعاصي.. ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته
عن طلب التقرب من ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته.
أين طريق النجاة؟
قد تقول لي: إني أطلب السعادة لنفسي، وأروم النجاة، وأرجو المغفرة، ولكني
أجهل الطريق إليها، ولا أعرف كيف ابدأ؟ فأنا كالغريق يريد من يأخذ بيده،
وكالتائه يتلمس الطريق وينتظر العون، وأريد بصيصاً من أمل، وشعاعاً من نور.
ولكن أين الطريق؟
والطريق أخي الحبيب واضح كالشمس، ظاهر كالقمر، واحد لا ثاني له... إنه طريق
التوبة.. طريق النجاة، طريق الفلاح.. طريق سهل ميسور، مفتوح أمامك في كل
لحظة، ما عليك إلا أن تطرقه، وستجد الجواب: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى
[طه:82]. بل إن الله تعالى دعا عباده جميعاً مؤمنهم وكافرهم الى التوبة،
وأخبر أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت،
ومهما عظمت، وإن كانت مثل زبد البحر، فقال سبحانه: قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].