بُشرَاكَ أخِي بُشرَاكَ... إنّهُ الحنّانُ المنّانُ يُحِبُك.. نَعم وَاللهِ
يُحِبُك.. لَقَدْ أطالَ اللهُ فِي عُمرِكَ وبلّغَكَ رَمضانَ آخرَ.. فكم
شخصٌ عرفناهُ لقيَ حتفَهُ وَلم يُدرِك رَمضانَ.. وكم مِنْ فُرصةٍ أعطاكَ
إيّاهَا حَبيبُكَ الكريمُ الرحيم وَلم تَغتنِمها؟؟ وها هو يعطيك فرصةً
أخرَى.. وَلكِنْ احذَر فَلعلهُ آخِرُ رَمضانَ.. لعلهُ آخِرَ مَوسِمٍ
تَغتَرِفُ فِيهِ مِنَ الحسناتِ وَتمحُو فِيه آثارَ مَا اقتَرَفتهُ يَدَاكَ
وَعيناكَ وَشَفتاكَ
أعجبتنا عبارة "لنْ يَسبِقنِي إلى اللهِ أحد"
وَلكِن هَل فِعلاً سَنتسابقُ إلى اللهِ؟؟
ضَعْ فِي ذِهنِكَ وَنصبَ عَينيكَ هَدفاً واحداً.. أمامَكَ ثلاثونَ ليلةٍ،
وَأنتَ فِيهَا فِي سِباقٍ مَعَ الزمنِ تَغتنِمُ فِيها ليسَ فَقط قَدرَ مَا
تستطيعُ بَلْ وَأكثر
وأكثر وأكثر، فداخلك طاقات هائلة تدكُّ الجبالَ.
وَليكُنْ شِعارُكَ فِي هَذا الشهرِ: "إنْ لَمْ أكنْ كالصحابة فسأكون كالتابعين" وَلتعلَمْ أنّ الطاعات ثلاثة أنواعٍ:
1) فريضةٌ مكتوبةٌ: وَهيَ مَا كتبهُ اللهُ عَلينَا مِنْ فرائضٍ مُحددةٍ كالصلاةِ وَالزكاةِ وَغيرها، وأجرُهَا فِي رَمضانَ كسبعينَ فريضةً فِي غيرِهِ.
2) سنةٌ ونافلة: وَأجرُهَا فِي رَمضانَ كأجرِ فريضةً فِي غيرِهِ وَهي كنوافِلِ الصلواتِ وَقِراءَةِ القرآنِ والصدقاتِ وَغيرَهَا كثير.
3) دعوةٌ وجهاد: وَهيَ هَديةُ اللهِ لنا فِي رَمضانَ فثوابهَا عَظيمٌ وَيدخُلُ فِيها الإنفاقَ فِي سبيلِ اللهِ (مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة: 261]
ففي تفسيرِ ابنِ كثير لِهذِهِ الآية { فإنّ هذا فِيهِ
إشارة إلى أنّ الأعمال الصالحة ينميها الله عزّ وجل لأصحابِها، كمَا ينمي
الزرعُ لِمَن بَذرَه فِي الأرضِ الطيبةِ، وَقدْ وَردَتْ السنةُ بتضعيفِ
الحسنةِ إلى سبعمائةِ ضعفٍ}
والآن لنقفَ مَعَ الصحابةِ وَالتابعينَ فِي رَمضانَ..
أولاً: حالهم مع القرآن
*
عن منصور بن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين،
وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست
ليال.
* وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر
من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف،
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
* وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاث وختم في رمضان سبع عشرة ختمة
ثانياً : حالهم مع قيام الليل
* وقال أبو عثمان النهدي: تضيّفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا
*
وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن
الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمائتين وكانوا
يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام.
ثالثاً : حالهم في الجود والكرم
*
كان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاّ مع المساكين فإذا منعهم
أهله عنه لم يتعشّ تلك الليلة وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه
من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح
صائما ولم يأكل شيئا.
* كان حماد بن أبي سليمان يفطّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم
رابعاً: حفظ اللسان وقلة الكلام وتوقي الكذب
*
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من
لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » أخرجه
البخاري
* وعن جابر بن عبد الله رضي
الله عنهما قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى
الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك
سواء.
* وعن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب
وبعد هذا الذي ذكر.. أما آن لك أن تتشبه بهم؟ ألم تتمن أن لو كنت واحداً منهم؟
لسنا والله أقل منهم في البنيان والجسم وإنما هي الهمة التي تعانق السحاب أو تتقلب في التراب.
فاختر أيهما تكون، وتذكر أنه قد يكون أخر رمضان يكتبه الله لك ، وليكن شعارك ...
" إن لم أكن كالصحابة فسأكون كالتابعين"