فُتِحت أبوابُ السماءِ..
أبوابُ الرحمةِ.. وأبوابُ الجنةِ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ:
أقبل شهر رمضان، وصيام هذا الشهر، من أعمدة الدين وبنائه، وركن من أركان الاسلام الخمسة، وَيُعدُّ من فرائض الاسلام المعلومة من الدين بالضرورة، ومن شعائر الدين المعلنة في بلاد المسلمين، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185]، وروى البخاري (8) ومسلم (16) في «صَحِيحَيهما» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليهِ وسلم: «بُنِيَ الاسلام على خَمسٍ: شَهَادَةِ ان لا إله الا الله، وأن مُحمداً عبده ورسوله، واقامِ الصلاة، وايتاءِ الزَّكاة، وَحَجِّ البيت، وصومِ رمضان«.
الصيام عند رؤية هلال شهر رمضان
ويكون الصيام عند رؤية هلال شهر رمضان، واذا لَم يتمكن أحد المسلمين من رؤيته، فيُتِمُّ الناسُ عدة شهرِ شعبان، ثُم يشرعوا في الصوم من غير رؤيةٍ، لِما رواه مسلم في «صحيحه» (1080) من حديث عبدالله بن عُمَرَ رضي الله عنهما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيَدَيهِ، فقال: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا«، ثُم عقد ابْهامه في الثالثة، «فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فان أُغْمِيَ عليكم، فاقدروا له ثلاثين«.وفي روايةٍ: «فَان غُمَّ عليكم«.
اسم شَهر رمضانَ
شَهرُ رمضان سُمّي بِهذا الاسم: لأنَّهم لَما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديْمةِ سَمَّوْها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق ناتق - وهو اسم لِهذا الشهر قديماً- زمن الحر والرمض، أي وافق شهرُ رمضان أيامَ رَمَضَ الحرّ فسُمّي بذلك.قال السيوطي في «المزهر في علوم اللغة» (174/1): وأسماء الشهور فِي الجاهلية: المُؤْتَمر وهو المحرّم، وصفر وهو ناجر، وشهر ربيع الأول وهو خَوَّان وقالوا: خُوَّان، وربيع الآخر وهو وَبْصَان، وجمادى الأولَى: الحَنين، وجمادى الآخرة: رُبَّى، ورجب: الأَصَم، وشعبان: عادل، ورمضان: ناتق، وشوَّال: وَعلْ، وذُو القعدة: وَرْنَة، وذو الحجة: بُرَك.
أتاكم شهر مبارك، رمضانُ شهرُ خَيرٍ وفضلٍ وَرَحمَة
وشَهرُ رمضان شهرُ خَيْرٍ وفضلٍ وَرَحمة لِما روى البخاري (1899، 3277)، ومسلم (2/1079) واللفظ له في «صحيحيهما» من طريق مالك بن أبي عامر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين». وفي رواية للبخاريِّ (1899) في «صحيحه»: «اذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء».وفي رواية له (3277) في «الصحيح»: «اذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة».وقد ثبت في ثلاثة ألفاظ ومعان متقاربة:
(1) فتحت أبواب الرحمة.و
(2) فتحت أبواب السماء.و
(3) فتحت أبواب الجنة.
وأما قوله: «سلسلت«، أي: قيدت بالسلاسل.وروى البخاري (1898)، ومسلم (1/1079) واللفظ له في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين».وروى الترمذي (682)، وابن ماجه (1642) في «السنن» ما صَحَّ من حديث أَبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »اذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان، صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مُنادٍ يا باغي الخَيْرِ أَقْبِلْ، ويا باغيَ الشرِّ أَقْصِرْ، ولله عتقاءَ مِنَ النارِ، وذلك كل ليلة».
ولذلك فإن هذا الشهر عظيم، فرصة متاحة للمواجهة مع النفس ومراجعتها عن الأوقات التِّي ذهبت، والأيام التِّي سلفت، وهل كان ومازال العبد يقوم بالتكاليف الشرعية على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى وارتضاه، فيعبد الله بِما شرع، وجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
انَّها فرصةٌ لكل مسلم.. .كيفَ وقد وُضِعت مَردةُ الشياطين فِي الأَغلال وَرُبطت بالسلاسلِ، وهي أيامٌ يقل فيها وقوع العباد فِي المعاصي، ويقابله اقبال على الطاعاتِ والأعمال الصالحات.
تهذيبُ النفس والانقيادُ للطاعةِ
وأمام العباد فرصة للخضوع والتذلل والانقياد، وترويض النفس على العبادات، والأخذِ بالطاعات واتخاذها سبيلاً الى مرضاة الله عز وجل، وفي السنَّةِ حَثٌ على ذلك، منها ما رواه البخاري (1904)، ومسلم (163/1151) واللفظ له في «صحيحيهما» من طريق أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له، الا الصيام فانه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فاذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذٍ ولا يسخب، فإن سابَّه أحداً أو قاتله، فليقل: اني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لَخُلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، اذا أفطر فرح بفطره، واذا لقي ربه فرح بصومه«. وفي روايةٍ في «الصحيحين«[خ (1894)، م (160/1151، 162)]: من طريق الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل، وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل اني صائم».
وفي روايةٍ في «الصحيحين«[خ (1894)، م (160/1151، 162)]: من طريق الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنة، فلا يرفث ولا يجهل، وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل اني صائم».
وأيضا ما رواه البُخاريُّ (1894)، ومسلم (164/1151) فِي «صَحِيحَيهما» من حديث أَبي هريرة رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيامُ جُنَّة، فلا يَرْفُثْ، ولا يَجْهَلْ، وان امرؤ قاتله، أو شاتَمه، فليقل اني صائمٌ (مرتين) والذي نفسي بيده، لَخُلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريحِ المِسكِ، يتركُ طعامَهُ، وشرابَهُ، وشهوتَهُ مِنْ أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها».
وفي الحديث فوائد منها:
1 - «الصيامُ جُنَّةٌ«، أي: وقاية وسترة، وقال الحافظ في الفتح: إنه سترة بحسب فائدته، وهو اضعاف شهوات النفس.اهـ.
2 - «فلا يَرْفُثْ«: من الرفث وهو فحش القول والكلام، ويطلق أيضا على الجماع وعلى مقدماته.
3 - «ولا يَجْهَلْ«، أي: لا يفعل شيئا من الجهالة والسفه والسخرية.
4 - «وان سَابَّهُ أَحدٌ أو شاتمه«، أي: فعليه بالاعراض «فليقل انِي صائم مرتين».
5 - «يترك طعامه وشرابه وشهوته«: الزام النفس بالخروج على المعهودِ، وترك المباح، والانقطاع عن الشهوات بأنواعها، وذلك من أجل الله لقوله: «من أجلي«، فمن اعتاد على ترك المباح من أجل الله، وَرُوِّضَتُ النَّفْسُ على هذا، فانه من باب أَولى تَركُ المُحرماتِ والمنهيات من أجل الله تعالى، وبِمثل تلك الأوامر والآداب الشرعية، تُرَوَّض النفس البشرية على طاعة الله، ولا تنشغل عن العبودية بلهو هذه الحياة الدنيا، وما فيها من زخرفٍ زائل، قال تعالى: {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا الا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[الأنعام: 32]، وقال: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء: 77]، اللهم بلغنا شهر رمضان، ووفقنا الى طاعتك على الوجهِ الذي يُرضِيكَ عَنَّا، والحمد لله رب العالمين.
د.عبدالعزيز بن ندَى العتيبي